خطاب نتنياهو في الكونغرس- إنكار للإبادة الجماعية وإعلان حرب شاملة.

المؤلف: عزت الرشق10.18.2025
خطاب نتنياهو في الكونغرس- إنكار للإبادة الجماعية وإعلان حرب شاملة.

في سياقٍ بالغِ التناقض، سعى نتنياهو إلى تنبيهِ الولايات المتحدة من خطرِ ما أسماه "التطرف"، وذلك عبر خطابٍ اتسم بالراديكالية الدينية، الأمر الذي أثار استغراب المراقبين. وبينما كان يلقي كلمته، حظي بتصفيقٍ حار من الحاضرين، الذين يدّعون أنهم قادة "العالم الحر". تجدر الإشارة إلى أنه وصف جيشه – الذي يمضي قدمًا في تنفيذِ إبادة جماعية – بأبطالٍ يخوضون حربًا حضارية ضدَّ "الوحشية".

خطابٌ هزيل

بأسلوبٍ ممل ومثير للاشمئزاز، كرر نتنياهو سلسلة الأكاذيب التي ارتبطت بأحداثِ السابع من أكتوبر، وهي ادعاءاتٌ عجزتْ آلة الحرب الإعلامية الصهيونية الهائلة عن إثباتها. لقد تمكن إعلامنا، ومن ثم الإعلام الأميركي والعالمي، من فضحِ زيف هذه الادعاءات، حتى أن مسؤولين غربيين قدموا اعتذاراتهم عن تصديقها والاستدلال بها.

من داخل الكونغرس الأميركي، أعلن نتنياهو بإصرارٍ عن عزمهِ على مواصلةِ حرب الإبادة ضدَّ غزة، مستحضرًا أكاذيب وأساطير تلمودية، الأمر الذي يؤكد أن المصفقين له لا يكترثون بأي قيم سوى القمع والتنكيل والإبادة.

إن هذا الاحتفاء الذي لقيه نتنياهو على افتراءاته من قبل أعضاء الكونغرس، يؤكد أنهم اختاروا عن قصدٍ أن يكونوا في الجانب الخاطئ من التاريخ، في لحظةٍ تاريخيةٍ ستلاحقهم وتسجلهم كشركاءَ متورطين في هذه الإبادة البشعة.

في خطابهِ الهزيل، ركز نتنياهو بشكلٍ مكثف على أن كيانه المغتصب يمثل الحضارة والديمقراطية!! وأنه يتعين على أميركا أن تهبَّ للدفاع عنه وحمايته. وفي الوقتِ نفسه، كانت طائراته تقصف وتدمر خيام النازحين العزل، وتحرق الأطفال والنساء والشيوخ الأبرياء.

أما عن "شرق أوسطه الجديد" الذي تحدث عنه بإسهاب، فهو يقوم في جوهرهِ على إبادة كل من يعتبرهم أعداءً له في المنطقة، والذين هم في حقيقة الأمر النخبة التي تبذل الغالي والنفيس من أجل تحقيق حريتها والتخلص من قبضةِ وغطرسةِ كيانهِ الغاصب.

لقد سعى جاهدًا إلى تصوير عدوانه الإجرامي على أنه معركة بين الخير والشر، بين الحضارة والهمجية. وبينما كان يردد هذه العبارات، كان التاريخ يسجله كقائدٍ لإحدى أفظعِ وأكثرِ الحروب همجيةً ووحشيةً في تاريخِ البشرية جمعاء.

القدسُ جوهرُ القضية

وفي خضمِ حديثه عن السلام، أكد نتنياهو أن القدس هي العاصمة الموحدة لكيانه، وأنه لن يسمح بتقسيمها مرة أخرى. وهذا، في حد ذاته، يُعد إعلان حرب حضارية ودينية وتاريخية، وهو انتهاكٌ صارخ للقوانين والأعراف الدولية، وينذر بمستقبلٍ قاتم لشرق أوسط يزداد اشتعالًا بالصراعات والحروب.

فالقدس كانت وما زالت وستظل إلى الأبد مدينة عربية إسلامية موحدة، تمثل جوهر قضيتنا العادلة، وقِبلةً للأحرار في كافة أنحاء العالم، وبوصلةً تحدد مسار نضالنا، وعاصمةً أبدية لفلسطين.

أكد نتنياهو بإصرارٍ على أن أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول يجب ألا تتكرر، معتبرًا أن الإبادة والتدمير والقتل كفيلة بمنعِ تكرارها. ولكننا نؤكد بدورنا أن الطريق الوحيد لضمان عدم تكرار ما حدث في السابع من أكتوبر، هو إنهاء الاحتلال البغيض، ودحر المستوطنين المتغطرسين، ووقف محاولاتهم المستميتة لمصادرة التاريخ والمقدسات. هذا هو الحل الأمثل والسبيل الأوحد لعدم تكرار ذلك. وعلى العالم بأسره أن يدرك هذه الحقيقة بكل تفاصيلها.

بعد أن حاول نتنياهو تقديم كيانه على أنه انعكاس حضاري لأميركا، تناقض مع نفسه بشكلٍ سافر حينما اتهم المتظاهرين الرافضين لجرائمه، والذين كانوا يحتشدون خارج مبنى الكونغرس، بتلقي الدعم من إيران. هذه الاتهامات الباطلة كشفت عن أن العقلية المتغطرسة لا تستطيع أن تستوعب الغضب المشروع للشعوب الحرة إزاء حرب الإبادة التي تستهدف الأطفال والنساء.

إن اتهام نتنياهو للمتظاهرين المناهضين لجرائمه بالوقوف إلى جانب الإرهاب وحماس، يكشف عن مدى غطرسة الاحتلال وعجزهِ التام عن تقبل أي فكرة تخالف "فكرته الإرهابية" المتطرفة.

إنها حالة نادرة الحدوث في تاريخ الأعراف الدبلوماسية، أن يقدم مسؤول أجنبي على شتم مواطني دولة أخرى داخل أراضيهم وفي مجلسهم الذي انتخبوه، وأن يكيل لهم الاتهامات بالعمالة وتلقي الرشاوى.

لقد بدا نتنياهو أشبه بممثلٍ هزلي، وهو يحاول إقناع المصفقين له، واقفين وجالسين، بأن المتظاهرين المناهضين لجرائم الإبادة يسعون إلى تدمير أميركا بدعمٍ من إيران. هذا النمط من الاتهامات لا تلجأ إليه إلا الأنظمة الاستبدادية، وهي الأنظمة التي يزعم المدان بارتكاب جرائم ضد الإنسانية أنه بعيد عنها كل البعد، ليضع نفسه وكيانه مجددًا في مواجهة الرأي العام الحر.

بمنتهى الضحالة والسذاجة – وكأنه يخاطب تلاميذ في فصلٍ دراسي – طالب بتأسيس جيل جديد من الفلسطينيين "لا يتعلم كراهية اليهود، ويعيش في سلام معهم!". إنه يطالب بذلك وهو يخوض ضد أجيال متجددة من الفلسطينيين حرب إبادة شاملة، دمرت مدارسهم ومساجدهم وبيوتهم وأحلامهم، وزرعت في نفوسهم المزيد من الغضب والإصرار على الكفاح من أجل حريتهم واستقلالهم.

هزيمةٌ معنوية

إن مزاعمه الواهية بأن "نزع السلاح من قطاع غزة سيؤدي إلى السلام والاستقرار والأمن في المنطقة"، ما هي إلا أكاذيب وتدليس لا تنطلي إلا على العقول الساذِجة والبسيطة. لقد بات العالم بأسره يدرك الآن أن جرائم الاحتلال الممنهجة، وغطرسة المستوطنين اللامحدودة، واعتداءاتهم المتكررة على الفلسطينيين الأبرياء، ومحاولاتهم السافرة لسرقة التاريخ، هي السبب الوحيد في اضطراب المنطقة وعدم استقرارها.

حثَّ نتنياهو الولايات المتحدة والعالم أجمع، على الوقوف صفًا واحدًا لدعم جرائم جيشه ومستوطنيه بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، والذين تخرج قطعانهم يوميًا للاعتداء على البشر والشجر والتاريخ.

كما أنه أعلن في خطابه أمام الكونغرس حربًا ضروسًا لن تنتهي مع الفلسطينيين والعرب والمسلمين وأحرار العالم قاطبةً. لذلك، يمكن اعتبار هذا الخطاب بمثابة "إعلان حرب" بكل ما للكلمة من معنى، وسيتحمل هو وكيانه كامل التبعات المترتبة عليه.

على الرغم من الأكاذيب والتصفيق الحاد، ومحاولات نتنياهو المستميتة للظهور بمظهر المتماسك، إلا أن العقلاء من الناس استطاعوا أن يقرأوا ما بين السطور، وأن يلمسوا بوضوح أن خطابه عكس هزيمة نفسية عميقة، وشكوكًا متزايدة بشأن إمكانية تحقيق النصر، أو حتى مجرد إمكانية الاستمرار في هذا المسار.

إن بحث نتنياهو عن النصر المزعوم أشبه بالبحث عن سرابٍ خادع، وكأنه يبحث عن إبرة ضائعة في كومةٍ من القش.

لقد تيقن العالم بأسره، شأنه في ذلك شأن "الكيان الصهيوني" نفسه، أن الانتصار على حركة حماس وعلى الشعب الفلسطيني الأبي هو ضربٌ من الخيال، وأنه ضربٌ من المستحيل. فحماس فكرة، والفكرة لا تموت أبدًا.

نحن واثقون بشعبنا الصامد، رغم قساوة الحرب وشدة الألم وعظم التضحيات، وواثقون بمقاومتنا الباسلة التي أذهلت العالم بأسره، وأثبتت بما لا يدع مجالًا للشك قدرتها الفائقة على إيلام جيش الاحتلال المتعب واليائس.

لقد فاجأت كتائب القسام وسرايا القدس وجميع قوى المقاومة الفلسطينية العالم أجمع بقدراتها القتالية الهائلة، وبأساليبها المبتكرة، وبقتالها الشرس الذي يزداد ضراوةً يومًا بعد يوم.

وما خفي كان أعظم وأدهى.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة